رجلٌ موسرٌ، تصدَّق بمالٍ، وأمسك بعضَه لقلةِ إيمانِه، وأتى إلى الأب أنطونيوس وسجد له قائلاً: «علِّمني كيف أخلص». قال له الشيخُ: «إن أردتَ أن تخلصَ فاصنع ما أقوله لك أولاً. امضِ إلى القريةِ واشترِ لحماً وانزع ثيابَك وعلقه في رقبتِك وتعالَ». فأطاع الشيخُ، واشترى اللحمَ، وخلع ثيابَه، وحمله على رقبتهِ، فلم يبقَ طيرٌ ولا كلبٌ في تلك القريةِ إلا واجتمعوا عليه، فنهشه الطيرُ وجرح جسمَه. فلما بلغ القديسَ على هذه الحال، قال له: «مرحباً يا ابن الطاعةِ، اعلم يا ابني إني قلتُ لك أن تصنعَ هذا،كي أعطيك مثالاً، فإن كثيرين من الناسِ، إذا سمعوا الوصايا لا يحفظونها، وآخرون ينسونها لقلة الحسِّ، ولذلك أمرتُك بهذا ليكون كلامي فيك ذا أثرٍ، لأجل ألم الوجع، فإن أصحابَ قلةِ الحسِّ لا تنفع فيهم الموهبة شيئاً، فلهذا المعنى يا ابني أسَّستُ فيكَ آثاراً لوصيتي، فإذ قد تنقَّى حقلُك من شوكِ الغفلةِ، فلنبذر فيك الزرعَ المقدس، أرأيتَ يا ابني كيف نهشت الطيورُ والكلابُ جسمَكَ وجرحته، كذلك تنهش الشياطيُن أصحابَ القنيَةِ، فافهم الآن هذا الكلام في عقلِك وتفكَّر به كلَّ أيامِ حياتِك، وإياك يا ابني أن تجعلَ لك اتكالاً على المالِ، بل اتكل على المسيح، فاذهب الآن وفرِّق جميعَ ما أبقيتَ لك من المالِ، حتى تكون، يا حبيبي، رهبانيتُك صافيةً من الغشِ، لأنه ضارٌ بالراهبِ أن يُبقي في قلايته ديناراً وشيطاناً»، وبعد أن دعَّمه بالكلامِ أخذ قليلاً من الزيتِ وصلى عليه ودهنه، وللوقت شُفيَ كأنه لم تُصبّه جراحٌ ولا ألمٌ قط، وذهب وهو مسرورٌ يسبح اللهَ».
حدث مرةً أن أتى القديسُ بولس البسيط تلميذ الأب أنطونيوس إلى الإسقيط، لافتقادِ الإخوةِ كعادتِه، ولما دخلوا الكنيسةَ ليكملوا القداسَ، كان يتأمل كلَّ واحدٍ من الداخلين، ويعرف الحالَ التي عليها نفسُه، وكان يرى مناظِرَهم بهجةً، وملائكتهم يتبعونهم مسرورين، وعاين أحدَهم أَسودَ كلَّه، وشياطينٌ سمجةٌ تحيط به يجرُّونه، وملاكُه يتبعه من بعيدٍ عابساً، فلما رأى ذلك بكى وقرع صدرَه مراتٍ، وخرج من الكنيسةِ باكياً، فخرج الإخوةُ إليه قائلين: «لماذا تبكي يا أبانا»؟ وطلبوا إليه أن يدخلَ معهم للقداسِ، فامتنع وجلس على بابِ الكنيسةِ منتحباً جداً. ولما كَملت الصلاةُ وخرجوا، كان يتأمل إليهم أيضاً، مؤثراً أن يعرفَ خروجَهم، فرأى ذلك الأخَ الذي كان قد دخل على تلك الحالِ السمجةِ، قد خرج بهيَّ الوجهِ، أبيضَ الجسمِ، وملاكُه ملاصقٌ به مسروراً، والشياطين يتبعونه وهم مكمَّدين. وإن القديسَ بولس صفَّق بيديه مسروراً ووثب بفرحٍ عظيمٍ مباركاً الله أبا الصلاحِ، بصوتٍ عالٍ قائلاً: «هلموا أبصروا أعمالَ اللهِ المرهوبةَ المستحقةَ كلَّ ذهولٍ وعجبٍ، هلموا أبصروا أعمالَ إلهِنا الصالح، الذي يشاء خلاصَ كلّ الناسِ، ومحبته للبشر التي لا يُلفظ بها، هلموا نسجد ونخرُّ قائلين: أنت وحدُك يا إلهنا قادرٌ أن تنزعَ كلَّ خطيةٍ». فحضر الكلُّ لسماعِ أقواله، فأخبرهم بما ظهر له، وسأل ذلك الأخَ أن يُعرِّفه السببَ الذي من أجلهِ وهب الله له تبديلَ تلك الحالِ نقيةً. فقال بمحضرٍ من الكلِّ: «إني منذ زمانٍ طويلٍ عائشٌ في النجاسةِ إلى أبعدِ غايةٍ، فلما رأيتُ الأب باكياً جداً، ابتدأ قلبي فيَّ أن يتخذَ إحساساً، فأنصتُّ إلى القراءات، فسمعتُ إشعياءَ يقول: اغتسلوا، صيروا أنقياءَ ، أزيلوا شرورَكم من أمامَ عيني، تعلَّموا أن تصنعوا حسناً، وتعالوا نتناظر يقول الربُّ، إن كانت خطاياكم كالبرفير تبيضّ كالثلجِ وإن احمرت كالبقم (كالدودي)، أجعلها كالصوفِ النقي. فلما سمعتُ أنا الخاطئ هذا الكلام، ضعف قلبي وقلتُ أمام الله: أنت الإله المتحنن الذي أتيتَ لخلاصِ الخطاةِ، يا من قلتَ إنه يكون فرحٌ في السماءِ قدام ملائكةِ الله بخاطئ واحدٍ يتوب، والآن يا ربي، ما وعدتَ به بفمِ نبيك تممه فيَّ أنا الخاطئ، واقبلني إليك تائباً، وها أنا منذ الآن لا أصنعُ شيئاً مما كنتُ أصنعه من الآثامِ، وسوف أخدمك بكلِّ طهارةٍ إلى آخرِ نسمةٍ من حياتي. وعلى هذا خرجتُ من الكنيسةِ». فلما سمع الآباءُ ذلك صرخوا بصوتٍ واحدٍ قائلين: «لقد عَظُمت أعمالك يا ربُّ، كلَّها بحكمةٍ صنعتَ». ومن ذلك الوقتِ عاش ذلك الأخُ بكل نقاوةٍ وأرضى الله بسيرةٍ فاضلةٍ، فعلينا ألا نقطعَ رجاءَنا من مراحمِ إلهِنا، لأننا إذا أتينا إليه، لا يطالبنا بسالفِ أعمالِنا، لأنه كوعدِه الصادقِ يغسل الراجعين إليه بكلِّ قلوبهم ويبيِّضهم كالثلجِ. له المجد دائماً.
كان قسيسُ القلالي قد أُعطيَّ نعمةً من اللهِ أن ينظرَ الأرواحَ النجسةَ عياناً، وذات يومٍ، بينما كان ذاهباً إلى الكنيسةِ ليكمل الصلاةَ الجامعة، وإذا به ينظرُ جماعةً من الشياطين خارج قلايةِ أخٍ، ووجد بعضَهم في شكلِ نساءٍ وهم يغنون ويقولون ما لا يجب سماعه، ووجد البعضَ منهم في شكلِ صغارٍ يرقصون، والبعضَ الآخرَ مقبلين على أعمالٍ رديئةٍ، فتنهد الشيخُ قائلاً: «بلا شكٍ إنه يوجد في داخلِ القلايةِ راهبٌ يعيش في التواني، من أجل هذا تحيطُ الأرواحُ النجسةُ بقلايته هكذا بعدم أدب»، فلما أكمل القسُ الصلاةَ الجامعة، عاد ودخل قلاية ذلك الأخِ، وقال له: «يا أخي، أنا في ضيقةٍ، ولي فيك إيمانٌ أنك إذا صليتَ عليَّ تَخفُّ الشدةُ المحيطة بي». فضرب الأخ مطانية قائلاً: «إني غير مستحق أن أصلي عليك يا أبي»، وكان الشيخُ يداوم الطلبةَ إليه قائلاً: «لستُ أمضي حتى تعاهدني أنك تصلِّي عني صلاةً في كلِّ ليلةٍ»، فأطاع الأخُ أمرَ الشيخ، وإنما فعل الشيخُ هذا حتى يعطيه سبباً ليصلي في الليل. فلما قام الأخُ في الليل ليصلي على الشيخ، صار في تحسُّرٍ وقال في نفسه: «يا شقي، إن كنتَ تصلي على شيخٍ قديس كهذا، فلِمَ لا تصلِّي على نفسِك وحدك». وإنه صنع صلاةً على الشيخِ، وصلاةً أخرى على نفسهِ، وهكذا أكمل الأسبوعَ كلَّ ليلةٍ يعمل صلاتين، واحدةً عن الشيخ، والأخرى عن نفسهِ. وفي يوم السبتِ التالي، انطلق القسُ إلى الكنيسةِ ، فأبصر الشياطيَن قياماً على بابِ قلاية الأخِ وهم سكوتٌ، فعلم الشيخُ أنه من أجلِ أن الأخَ صلَّى سكتوا، ففرح، ولما أكمل الصلاةَ، عاد ودخل قلاية الأخ، وقال له: «اصنع معي رحمةً يا أخي من أجلِ محبة السيد المسيح، وزدني صلاةً أخرى في كلِّ ليلةٍ، فإنني قد وجدتُ راحةً قليلةً». فلما صلَّى عن الشيخِ صلاتين، صار أيضاً في ندمٍ قائلاً: «يا شقي، زد أيضاً صلاةً أخرى على ذاتك». فصنع هكذا الأسبوع جميعه، يكمل كلَّ ليلة أربع صلوات. ولما جاء القسيس يوم السبت إلى الكنيسةِ، نظر الشياطين سكوتاً معبَّسين، فشكر اللهَ، ثم أنه دخل إلى الأخِ، وسأله أن يزيده صلاةً أخرى، فزاد له ولنفسهِ أيضاً. وهكذا صار الشيخُ يجيء إليه ويجعله أن يزيد قليلاً قليلاً حتى رجع إلى طقسِهِ الأول. فحنق الشياطينُ على الشيخِ لأجلِ الخلاص الذي صار للأخِ وانصرفوا عنه وهم حزانى، وصار الأخُ يصلي بغير فتورٍ واقتنى الغَلَبةَ بنعمة ربنا يسوع المسيح، الذي له المجد إلى الأبد آمين.
سأل أخٌ أنبا تادرس: «بأيِّ طريقٍ يمكن للإنسانِ أن يُخرجَ الشياطينَ من ذاتِه»؟ فقال له القديسُ: «إذا قبل إنسانٌ ضيفاً وأكرمه، فإن كان لا يقدر أن يطردَه اليومَ، ففي الغدِ لا يقدرُ أن يطردَه، ذلك إذا كان متاعُه داخلَ البيتِ، أما إذا أعطاه متاعَه وجميعَ ما كان داخل بيتِهِ، فحينئذ لو أراد أن يطردَه، أغلقَ البابَ في وجههِ. وهكذا الحالُ مع الشيطانِ، إذا لم تطرح متاعَه خارجاً عنك، الذي هو الزنى والنجاسةُ والكذبُ وجميعُ آلاتهِ، فلا تقدر أن تطردَه».
سأل أخٌ أنبا أمونا مرةً قائلاً: «يا أبي ثلاثةُ أفكارٍ تضايقني. الأول، أن أسكنَ في البراري بغيرِ همٍّ، والثاني، أن أمضي إلى الغربةِ حيث لا يعرفني أحدٌ، والثالث، أن أحبسَ نفسي في القلايةِ، ولا أجتمع بأحدٍ، وأصوم يومين يومين». قال له الشيخُ: «ولا واحد من هذه الأفكار تستطيع أن تمارسَه كما ينبغي، بل الأفضل أن تجلسَ في قلايتك، وكُلْ في كلِّ يومٍ قليلاً، واجعل كلمةَ العشارِ في فمِك دائماً قائلاً: يا الله اغفر لي فإني خاطئ، وأنت تتنيح».
الأب سيصوي الذي من جبل أنطونيوس: أغلقَ على نفسِهِ دفعةً في قلايتهِ، ومنع خادمَه من القدومِ إليه عشرةَ شهورٍ، لم يبصر فيها إنساناً، وفيما هو يمشي في الجبلِ ذات يومٍ، إذا به يجدُ إنساناً إعرابياً يتصيَّد وحوشاً بريةً، فقال له الشيخُ: «من أين جئتَ، وكم لك من الزمان ههنا»؟ فقال له الرجلُ: «صدقني يا راهب، إن لي في هذا الجبلِ أحدَ عشرَ شهراً لم أرَ أحداً غيرَك». فلما سمع الشيخُ ذلك، دخل قلايتهِ وصار يضربُ صدرَه ويقول: «يا سيصوي، لا تظن أنك صنعتَ شيئاً، لأنك لم تصنع بعد مثلَ ما صنعه هذا الإعرابي».
وسأله أخٌ: «أتُرى، هل كان الشيطانُ يضطهدُ القدماءَ هكذا»؟ أجابه الشيخُ: «بل اليومَ يضطهدُ أكثرَ لأنَّ زمانَه قد قرب، فهو لذلك قلقٌ».
ومرةً زاره أنبا أدلفيوس أسقف نيلوبوليس في جبلِ أنطونيوس، ولما عزم على الانصراف جعله يتغذى باكراً قبل انصرافِه وكان صومٌ، فلما وُضعت المائدةُ، إذا قومٌ يقرعون البابَ، فقال لتلميذِه: «قدِّم لهم قليلاً من الطبيخِ». فقال الأسقفُ: «دعهم الآن لئلا يقولوا إن أنبا سيصوي يأكل باكراً». فتأمله الشيخُ وقال للأخ: «امضِ أعطِهم». فلما أبصروا الطبيخَ، قالوا للأخِ: «يا تُرى هل عندكم ضيوفٌ والشيخُ يأكل معهم»؟ قال: «نعم». فحزنوا قائلين: «لماذا تركتم الشيخَ يأكل في مثلِ هذا الوقتِ؟ أما تعملون أن الشيخَ يُعذِّب ذاتَه أياماً كثيرةً، بسببِ هذه الأكلةِ»؟ فلما سمع الأسقفُ هذا الكلامَ، صنع مطانيةً قائلاً: «اغفر لي يا أبي لأني تفكرتُ فكراً بشرياً، أما أنت فقد صنعتَ أوامرَ اللهِ». فقال الشيخُ: «إن لم يمجد اللهُ الإنسانَ، فمجدُ الناسِ ليس شيئاً».
وحدث مرةً أيضاً أن زاره أنبا قاسيانوس، والقديس جرمانوس، شيخان من فلسطين، فاحتفل بضيافتِهم. فسألوه لأيِّ سببٍ لا تحفظوا رسومَ صومِكم في وقتِ ضيافتِكم الإخوةِ الغرباءِ على ما قد عرفناه في بلدنا فلسطين؟ فأجابهم قائلاً: «إن الصومَ معي دائماً، وأما أنت فلستَ معي دائماً، والصومُ شيءٌ نافعٌ لازمٌ، وهو من نيتنا ومن إرادتنا، وأما إكمالُ المحبةِ فيطالبنا به ناموسُ اللهِ بلازم الاضطرار، فَبِكُم أَقبلُ المسيحَ، ويوجب عليَّ ديناً لازماً بأن أخدمَه بكلِّ حرصٍ، فإذا شيعتُكم أمكنني استعادة صومي، وذلك أن أبناءَ العُرسِ لا يستطيعون أن يصوموا ما دام العريسُ معهم، فمتى رُفع الختن فحينئذ يصومون بسلطانٍ».
وحدث مرةً أن سألَ أنبا يوسف الأب سيصوي قائلاً: «كم من الزمانِ يحتاجُ الإنسانُ لقطعِ الآلام»؟ أجابه الشيخُ: «في أيِّة ساعةٍ تتحرك الآلام، ففي الحالِ اقطعها».
وأيضاً سأله أخٌ عن تدبيرٍ ما، فأجابه الشيخُ قائلاً: «إن دانيال النبي قال: خبزَ شهوةٍ ما أكلتُ».
وسأله أخٌ آخر قائلاً: «إذا مشينا في طريقٍ، وضلَّ مهدينا فهل ينبغي أن ننبهَه»؟ فقال له الشيخُ: «لا». قال الأخ: «هل نتركه إذن يُضلُّنا»؟ فأجابه الشيخُ: «وماذا نعمل إذن، أنأخذ عصاً ونضربه؟ إني أعرفُ إخوةً كانوا سائرين بالليلِ، فضلَّ مرشدُهم وكانوا اثني عشر أخاً، وعلموا كلُّهم أنهم قد ضلوا، فجاهد كلُّ واحدٍ منهم ألا يتكلم، فلما أضاء النهارُ، علم مرشدُهم بأنه قد ضلَّ الطريقَ، فقال: اغفروا لي قد ضللتُ الطريقَ. فقالوا له كلُّهم: لقد علمنا، ولكننا سكتنا. فلما سمع ذلك تعجَّب، وقال: إن إخوتنا تمسَّكوا حتى الموتِ على ألا يتكلموا، وسبَّح اللهَ. وقد كانت مسافةُ الطريقِ التي مشوها اثني عشرَ ميلاً».
أنبا سيصويص الصعيدي: قيل عنه إنه كان ساكناً في غَيْضَةٍ، وشيخٌ آخر كان مريضاً في السيق، فلما سمع حزن، لأنه كان يصوم يومين يومين، وكان ذلك اليوم من الأيامِ التي لا يأكل فيها. فقال: «ماذا أصنعُ؟ إن مضيْتُ ربما ألزمني الإخوةُ بأن آكلَ، وإن صبرتُ إلى الغدِ، فربما يتنيح الشيخُ، لكني هكذا أصنعُ، أمضي ولا آكل». وفعلاً مضى وأتمَّ وصيةَ اللهِ، ولم يحل قانونَه. وقد أَخبر عنه أيضاً بعضُ الآباءِ، إنه أراد وقتاً ما أن يغلبَ النومَ، فعلَّق ذاتَه في صخرةٍ، فجاء ملاكُ اللهِ وأوصاه ألا يصنعَ مثل هذا، ولا يجعل ذلك عادةً لآخرين.
وكذلك سأله أخٌ قائلاً: «إذا كنتُ جالساً في البريةِ وأَقدَمَ بربريٌ وأراد قتلي، وقويتُ عليه، أفأقتله»؟ فأجابه الشيخُ: «لا، لكن سلِّم الأمرَ للهِ، لأن أيَّ محنةٍ تأتي على الإنسانِ، فليس له إلا أن يقولَ إنها من أجلِ خطاياي».
وسأله أخٌ آخر قائلاً: «قل لي كلمةً». فقال: «أيُّ شيءٍ لي لأقولُه لك؟ إني أقرأُ في العتيقةِ ثم أرجع إلى الحديثةِ».
وقال أيضاً: «صِرّ مهاناً واطرح مشيئتك وراءك، وصِرّ بلا همٍّ تجدُ نياحاً».
كذلك سأله آخر قائلاً: «قل لي كلمةً». فأجابه: «لماذا تطلب كلاماً؟ اصنع مثلما ترى».
اعتلَََّّّ أنبا سيصويص وكان الآباءُ جلوساً حوله، فسمعوه يخاطب قوماً، فقالوا له: «ماذا تعاين أيها الأب»؟ فقال: «ها أنذا أعاينُ قوماً قد جاءوا لأخذِ نفسي، وأنا أتضرعُ إليهم أن يُمهلوني قليلاً حتى أتوبَ». فقال له أحدُ الشيوخِ: «وإن هم أمهلوك، هل تقدر الآن أن تنجحَ في التوبةِ وأنت في هذا السنِّ»؟ فقال: «وإن كنتُ لا أقدرُ أن أعملَ عملاً فإني أتنهدُ وأبكي». فقال له الشيوخُ: «إن توبتَك قد كملت أيها الأب». فقال لهم: «صدقوني إني لستُ أعرفُ من ذاتي إذا كنتُ بدأتُ إلى الآن»؟ ولما قال هذا، أشرق وجهُه كالشمسِ، ففزع الذين كانوا حولَه. فقال: «انظروا، إن الربَّ قال: ائتوني بتائبِ البريةِ». ولوقته أسلم الروحَ وامتلأ المنزلُ من رائحةٍ