طبيعة واحدة من طبيعتين
القديس كيرلس السكندريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد تعلمنا حسب الكتب الحقيقية والآباء القديسين, نعترف بإبن واحد المسيح الرب أي الكلمة الذي من الله الآب المولود من قبل الدهور بكيفية إلهية وتفوق الإدراك، وأنه في الأزمنة الأخيرة الإبن نفسه وُلد لأجلنا حسب الجسد من العذراء القديسة. وحيث أنها ولدت الله المتأنس المتجسد، لهذا السبب فنحن أيضاً نسميها والدة الإله. لذلك يوجد إبن واحد
"رَبٌّ وَاحِدٌ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1كو8 : 6) هو نفسه قبل تجسده وبعد تجسده. فليس هناك إبن هو الكلمة الذي من الله الآب وإبن آخر أيضاً من العذراء القديسة. بل نحن نؤمن أنه هو نفسه الذي كان قبل الدهور، هو الذي قد وُلد حسب الجسد من إمرأة، ليس أن ألوهية أخذت بداية وجودها أو أنها دُعِيت إلى بداية وجودها بواسطة العذراء القديسة، بل بالحري كما قلت، أن الكلمة الذي كان قبل الدهور، يقال عنه أنه قد وُلد حسب الجسد. لأن جسده هو خاص به كما أن كل واحد منا - بلا شك - له جسده الخاص.
ولكن حيث إن بعض الناس يحسبون علينا آراء أبوليناريوس ويقولون:
" إذا قلتم بإبن واحد - بحسب تام ومختلط - الذي هو الكلمة الذي من الله الآب متأنساً ومتجسداً، فأنتم بلا شك تبدون أنكم تفكرون وتدركون أن إختلاطاً أي إندماجاً، أو إمتزاجاً حدث للكلمة مع جسده، وإلا يكون قد حدث تحول لجسده إلى طبيعة اللاهوت." لهذا السبب فنحن بكل حكمة نجيب على هذا الإفتراء بأن الكلمة الذي من الله الآب وحّد بنفسه جسداً حياً بنفس عاقلة بطريقة تفوق الفهم وبكيفية لا يمكن التعبير عنها وجاء إنساناً من إمرأة إذ قد صار مثلنا ليس بتغير في طبيعته بل بالحري بالمسرة الخاصة بتدبير تجسده، لأنه سُر أن يصير إنساناً دون أن يفقد ما هو عليه بالطبيعة كإله. ولكن وحتى وإن كان قد نزل إلى الحدود التي لنا
"آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ" (في2 : 7)، فرغم هذا، ظل في سمو ألوهية وفي ربوبيته الطبيعية.
وتبعاً لذلك، فحينما نؤكد إتحاد الكلمة الذي من الله الآب بجسده المقدس ذي النفس العاقلة، وهو إتحاد يفوق الإدراك ويعلو على الفكر، وقد حدث بدون إختلاط، وبدون تغيير، وبدون تحول فنحن نعترف بمسيح واحد الإبن والرب، وهو نفسه إله وإنسان، وليس واحداً وآخر، بل هو واحد وهو نفسه، هكذا هو كائن وهكذا يدرَك. لذلك فهو أحياناً كان يحاور كإنسان حسب التدبير وحسب ناسوته، وأحياناً أخرى كإله يعطي كلماته بسلطان لاهوته. ونحن نؤكد ما يأتي أيضاً. فبينما نحن نبحث كيفية تدبيره بالجسد ونسبر أعماق السر، نرى أن الكلمة الذي من الله الآب تأنس وتجسد وأنه لم يصنع ذلك الجسد المقدس من طبيعته الإلهية بل بالحري أخذه من العذراء مريم. لأنه كيف صار إنساناً لو لم يكن قد لبس جسداً مثل أجسادنا؟ لذلك فعندما نعتبر - كما قلت - كيفية تأنسه نرى أن طبيعتين إجتمعتا إحدهما مع الأخرى في إتحاد لا يقبل الإنفصام، وبدون إختلاط وبدون تغيير، لأن جسده هو جسد وليس لاهوتاً رغم أن جسده قد صار جسد الله. وبالمثل فالكلمة أيضاً هو الله وليس جسداً، رغم أنه جعل الجسد خاصاً به بحسب التدبير. لذلك فحينما تكون لنا الأفكار، فنحن عندما نقول إنه كان من طبيعتين فنحن لا نجرح الوحدة، ولكن بعد الإتحاد لا نفصل الطبيعتين إحدهما عن الأخرى، ولا نجزئ الإبن الواحد غير المنقسم إلى إبنين، بل نقول بإبن واحد، وكما قال الآباء
"طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله".
لذلك، فبخصوص فهمنا وبخصوص تأملنا فقط بعيون النفس في كيفية تأنس وحيد الجنس، نقول أن هناك طبيعتين إتحدتا، ولكن المسيح واحد الإبن والرب، كلمة الله الآب المتأنس والمتجسد. وإن كان يبدو حسناً، فدعونا نقبل كمثال ما في ذواتنا من التركيب والذي بحسبه نحن بشر، لأننا نتكون من نفس وجسد، ونحن نرى طبيعتين :الواحدة هي طبيعة الجسد والأخرى طبيعة النفس. ولكن هناك إنساناً واحداً من الإثنين بواسطة الإتحاد. ولكن ليس لأن الإنسان مركب من طبيعتين هو إنسانان يحسبان إنساناً واحداً، ولكنه هو نفسه الإنسان الواحد المركب من نفس وجسد كما قلت. لأننا إن كنا ننكر أن المسيح الواحد والوحيد هو من طبيعتين مختلفتين، وأنه لا يقبل الإنقسام بعد الإتحاد، فأولئك الذين يحاربون الإيمان المستقيم سوف يقولون:
"إن كان الكل طبيعة واحدة فكيف تأنس وأي نوع من الجسد جعله خاصاً به؟".
ولكن حيث أني وجدت في المذكرة تأكيداً معيناً لمثل هذا التعبير بمعنى أن
"الجسد المقدس للمسيح مخلصنا جميعاً، قد تغير بعد القيامة إلى الألوهية، حتى أن الكل هو لاهوت فقط،" لذلك رأيت من الضروري أرد على هذا أيضاً. فبولس المغبوط يكتب في موضع ما حينما يشرح أسباب تأنس إبن الله الوحيد الجنس هكذا:
"لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ. لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ." (رو8 : 3-4). وأيضاً في موضع آخر يقول:
"فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرمحبه هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقّاً لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (عب2 : 14-17).
لذلك نقول أنه، حيث أن الطبيعة البشرية أصابها الفساد من تعدي آدم وحيث أن الفكر الذي فينا قد تسلطت عليه لذات الجسد أي حركاته المغروسة فينا، فمن الضروري - لأجل خلاصنا نحن الذين على الأرض - أن يتأنس كلمة الله لكي يجعل الجسد الإنساني الذي كان خاضعاً للفساد ومريضاً بحب اللذة - خاصاً به. وحيث إنه الحياة ومعطي الحياة، فإنه يبيد الفساد في الجسد وينتهر حركاته المغروسة فيه، تلك الحركات التي تميل نحو حب اللذة. لأنه هكذا صار ممكناً أن تمات الخطية التي فيه. ونحن ذكرنا أيضاً أن المغبوط بولس دعا هذه الحركة المغروسة فينا
"نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ" (رو7 : 25). لذلك حيث إن الجسد الإنساني صار خاصاً بالكلمة، لذلك فالخضوع للفساد قد توقف. وحيث إنه كإله
"لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً" (1بط2 : 22)، فإنه إتحد بالجسد وأعلنه خاصاً به كما قلت، فهو نهاية لمرض حب اللذة. وكلمة الله الوحيد الجنس لم يفعل هذا لأجل نفسه (لأنه هو كما هو دائماً) بل واضح أنه لأجلنا. لأنه حتى ولو أننا كنا خاضعين للشرور من تعدي آدم فإن أمور المسيح التي هي عدم الفساد وإماتة الخطية، أيضاً تأتي علينا كلها معاً.
ولذلك فقد صار إنساناً، ولم يتخذ إنساناً كما يبدو لنسطوريوس. ولكي نؤمن أنه صار إنساناً، رغم أنه بقى كما كان إلهاً بالطبيعة، لذلك فقد قيل عنه أنه جاع، وأنه تعب من السفر، وإحتمل النوم والإضطراب، والحزن، وآلام بشرية أخرى لا لوم فيها. وأيضاً لكي يعطي يقيناً لأولئك الذين يرون أنه بعد أن صار إنساناً فهو أيضاً إله حقيقي، وكان آيات لاهوته بإنتهار البحار، وإقامة الموتى، وصنع أعمالاً أخرى تفوق العقل. وإحتمل الصليب أيضاً، لكي بمعاناة الموت بجسده وليس بطبيعة لاهوته، فإنه يصير
"بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ" (كو1 : 18)، ويفتح لطبيعة الإنسان الطريق إلى عدم الفساد، وإذ يسلب الهاوية يحرر النفوس المحبوسة هناك. وبعد القيامة كان له نفس الجسد الذي كان قد تألم سوى أن الضعفات البشرية لم تعد موجودة فيه، لأنه لم يعد قابلاً للجوع أو التعب أو أي شيء آخر مثل هذه، ومن ثم غير قابل للفساد. وليس هذا فقط بل أيضاً صار معطياً للحياة، لأنه جسد الحياة أي جسد الوحيد الجنس. وهو أيضاً جُعل يلمع بالمجد اللائق بلاهوته، ويعرف أنه جسد الله. لذلك حتى إن قال البعض أنه إلهي، كما أنه بالبديهة هو جسد بشري لإنسان، فإنه لم يضل عن التفكير اللائق. ولذلك أظن أن بولس الحكيم جداً قال :
"وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ" (2كو5 : 16). وحيث أنه جسد الله الخاص - كما قلت - فهو تعالى على كل الأجساد البشرية.
ولكن لا يمكن أن يكون أمراً مقبولاً أن الجسد وهو من الأرض، يتعرض للتغير إلى طبيعة اللاهوت، فهذا أمر مستحيل. لأننا لو قبلنا هذا فاننا ندعي على اللاهوت كأنه شيئ صار إلى الوجود وكأنه يضيف إلى ذاته شيئاً لم يكن خاصاً به بحسب الطبيعة. لأنه أمر غير معقول أن يقال أن الجسد قد تحول إلى طبيعة اللاهوت. وبالمثل أن يقال أن الكلمة تحول إلى طبيعة الجسد بالقول أن اللاهوت قد غير نفسه إلى طبيعة الجسد. وكما أن هذا الأمر الأخير هو مستحيل، لأنه (اللاهوت) غير قابل للتغير والتحول، هكذا أيضاً الأمر الأول هو مستحيل لأنه أمر غير معقول أن يتغير أي مخلوق إلى جوهر اللاهوت أو طبيعته. والجسد مخلوق. لذلك، فمن ناحية نقول ان جسد المسيح هو إلهي إذ أنه جسد الله، ونقول انه يلمع بالمجد الذي لا يوصف، وهو غير قابل للفساد ومقدس ومعطي الحياة. ولكن من الناحية الأخرى، فانه لا أحد من الآباء القديسين ولا نحن، فكر أو قال أن (الجسد) تغير إلى طبيعة اللاهوت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ+ جزء من رسالة القديس كيرلس إلى سوكينسوس أسقف ديوقيصرية في ابرشية إيسوريا+ قام بترجمتها للعربية الدكتور موريس تاوضرس والدكتور نصحي عبد الشهيد__________________
✝ ثوك تاتى جوم نيم بى اووه نيم بى ازمو نيم بى اماهى شائنيه آمين ✝