رصاصة وصاروخ
قصة حقيقية
( لماذا تحتفظ بهذا الإنجيل يا أبي ؟ إنه قديم للغاية )
قالتها
ابنتي ذات الـ15 ربيعا متسائلة و متعجبة ولم تدر إنها فجرت بسؤالها هذا
ذكريات مر عليها حوالي ثلاثون عاما ، نعم ثلاثون عاما ، لم أستطع الرد
عليها وأنا أتذكر هذه الذكريات ، فهناك مواقف تحدث في حياة الإنسان لا
يمكن أن ينساها مهما طالت حياته ، وهناك أحداث تحدث في حياة الإنسان تجعله يدرك إنه ليس سوى ذرة في هذا الكون الذي يدبره الله صانع المعجزات
و...
كلا يجب أن تستمعوا للقصة من الأول و أعذروني إذا كنت مضطربا ، فجسدي كله يرتعش من هذه الذكريات.
نحن
في نهايات سبتمبر عام 1973 ، وأنا و بيشوي ، صديق عمري ، نقضي فترة
التجنيد الإجباري منذ 3 سنين ولست أدري متى ستنتهي ، فهي لن تنتهي إلا
بخروج العدو الإسرائيلي من أرض سيناء الحبيبة.
و في ليلة 5 أكتوبر ، أحسسنا إن الحرب قريبة من كثرة الاستعدادات ، فقال لي بيشوي
: هيا بنا نصلي ، فلا أحد يدري هل سنصلي مرة أخرى في هذا العالم أم لا ؟
سرت قشعريرة شديدة داخلي وأنا أستمع إليه و هو يشير إلي الموت بكل
الطمأنينة ، فقلت له: وما هذا الهدوء الأقرب للبرود الذي أنت فيه ؟ قال لي : حياتي أو موتي لا يعنياني كثيرا ، فإن عشت فسأعيش للمسيح
و إن مت فسأذهب للمسيح ، فالموضوع سيان بالنسبة لي.
تركت
عبارته أثرا كبيرا في نفسي وانتفضت بشدة عندما سمعتها ، فلم أكن قريب من
المسيح مثل صديقي بيشوي بل كانت علاقتي سطحية للغاية ، ولما رأى بيشوي
الخوف في عيناي ، أعطاني إنجيله الخاص وقال لي: خذ هذا الإنجيل هو يحفظك ،
وأعطاني إنجيل صغير الحجم ، قلت في سخرية : وهل الإنجيل سيحميني من بطش
وشراسة ووحشية ورصاصات ومدافع وصواريخ وطائرات الإسرائيليين ؟ قال بثقة
شديدة و بصلابة : ( نعم ويجب أن تضعه طوال الوقت في جيبك الأمامي في سترتك
، ضعه على صدرك حتى يحمي قلبك ) ، فوضعته مستسلما لمنطقه و دخلنا للنوم.
" هيا يا أبطال ، هيا يا أسود مصر ، هذا هو اليوم الذي ننتظره منذ 6 سنوات ، هذا اليوم الذي سنذيق فيه العدو الويل "
قالها القائد بكل صرامة و حماس.
و
بدأت الحرب و كانت أشبه بالجحيم ، طلقات رصاص وانفجارات و نيران و دمار
وخراب وجرحى وجثث في كل مكان و لكن كان من الواضح إننا انتصرنا و ...
و
ظهرت فجأة هليكوبتر إسرائيلية من خلف تل صغير ولكننا لم ننتبه إليها إلا
وهي تطاردنا أنا و بيشوي و قائدها مصمم على الانتقام و انطلقت الرصاصات
علينا كالسيل و نحن نحاول جاهدين أن نهرب منها و لكن رصاصة أصابت قدمي
وأخرى أصابت يد بيشوي و وقعت على الأرض و إذا برصاصة تصيبني في صدري و
لكنها لم تدخل لقلبي ، فقد احتجزها الإنجيل و غاصت فيه و لم تصيبني بأذى ،
و لكن قائد الهليكوبتر رفض الاستسلام ورغم نفاذ ذخيرته ، قرر إطلاق
الصواريخ و هذه الهليكوبتر مزودة بصاروخين و انطلق الصاروخ الأول و لكنه
أخطأنا وانفجر بعيدا ، و بقى الصاروخ الثاني و رأيت نفسي أنا و بيشوي على الأرض لا حول لنا ولا قوة وطائرة هليكوبتر تحمل لنا الموت في هيئة صاروخ ....
لم أنطق ببنت شفة و لكني تذكرت الإنجيل الذي أنقذني من الرصاصة وهو قادر أن يحميني من الصاروخ وأما بيشوي فقد رشم على نفسه علامة الصليب واستعد لمقابلة الموت بكل شجاعة و.....
و انطلق الصاروخ ، و انفجر وتناثرت الأشلاء و ...
و
لكنها لم تكن أشلائنا ، بل كانت أشلاء قائد الهليكوبتر ، فقبل أن يضغط زر
إطلاق الصاروخ بثوان ، أصابته هليكوبتر مصرية بصاروخ وانتهى الكابوس.
( يا لقوة الكتاب المقدس ، استطاع أن يحميني من رصاصات العدو)
رجعت أردد هذه الكلمات في قلبي ، إن كان له هذه القوة ألا يقدر أن يحميني
من رصاصات إبليس ، ومن يومها عزمت ألا يمر يوم واحد دون أن أقرأ كلمة الله
بتمعن وأخذ منها قوة لمواجهة أسهم إبليس.
كلا
لم تنتهي القصة هكذا ، فبعد أن انتهت الحرب ، انتهى الإنسان القديم الذي
كان داخلي ، و ولد شخص جديد أدرك عناية الله به و حرصه عليه ، وأن الله
تركه يعيش لكي يتوب ويرجع إليه ، و كانت هذه الحرب تحول شديد في حياته و هو ما زال يحتفظ بالإنجيل الذي ما زالت بداخله الرصاصة لكي يتذكر دائما عناية الله به.
خذوا خوذة الخلاص و سيف الروح الذي هو كلمة الله ( اف 6 : 17 )
منقول