حينما يأتي الموت فمن
يستطيع مقاومته
لقد
اعتاد قوم من الفلاسفه ان يأكلوا ويشربوا في جماجم الموتى لكي يكون ذكر
الموت بادياً على الدوام أما عيونهم وبهذا كانوا يداوون كل شهوة عالمية
وقد ذكر مثل هذا كثيرين من الملوك والعظماء الذين اتخذوا ذكر الموت دواء
لكبريائهم وتعظمهم وحتى لا تغريهم العظمة على فعل ما لا يليق، فقد أمر
الملك فيلبس المكدوني احد خدامه بأن يكرر له كل صباح هذه الكلمات
ثلاث مرات ((اذكر يا فيلبس أنك بشر وأنك بالموت الذي لا بد منه ستترك كل
شيء)) وبهذه الطريقة حفظ نفسه من الكبرياء والعظمة واتسم ملكه بالعدل
والحق والرحمة والملك مكسيمانوس الاول صنع نعشاً لنفسه وحيثما توجه كان
يأخذه معه فقالوا له لماذا يا جلالة الملك فقال : هذا يذكرني بأني سأموت
لا محال وأني سأفارق كل شيء لقد كان فلاسفة الهند يبنون بيوتهم مقابل
المقابر لكي يتذكروا الموت عند خروجهم ودخولهم لأنهم كانوا يعلمون جيداً
ان ذكر الموت يفيد جداً في اصلاح السيره وقمع الشهوه والشهرة وحب المنصب
والتسلط.
وكان
من عاده الاحباش عند تتويج احد ملوكهم يضعون على مكتبه جمجمه مكتوب عليها
هذه الكلمات عن لسان الميت يخاطب بها كل من قراءها ((كما أنت الآن قد كنت
أنا أيضاً).
حقاً
إن كثيرين من الذين شغلوا عقولهم بذكر الموت في الحياة استطاعوا ان يهذبوا
من أنفسهم ما لم تهذبه العظات المؤثرة والتوعدات الرهيبة وقال احد الأباء
وانت تتصور الكفن الحقير المزمع ان تلف به وذلك القبر الذي توضع فيه فلا
ريب في أنك تحتقر العالم واذا ذكرت انهم سيوارونك في التراب وتكون مداساً
بالاقدام ومنسياً من الناس لأصبحت لديك كل أمجاد العالم ومراتبه كلا شيء
فلو عرف الانسان من أين اتى وإلى أين يذهب لأتضع فهو أتى من التراب ((لأنك
تراب)) ويذهب الى التراب (( الى التراب تعود)) (تك 3 : 19) بهذا الفكر
استطاع ابراهيم ان يعالج نفسه حينما خاطبه الله مخاطبة الصديق لصديقه فإنه
لم يتعال ويتخذ الله لمخاطبته سبباً للكبرياء بل أمعن في احتقار ذاته وقال
اني قد شرعت اكلم المولى وأنا تراب ورماد (تك 18 : 27).
قيل
أن أحد الملوك وهو يموت رأى اهله حوله يبكون فقال نعم : ((جدت عليكم
بالدنيا وجدتم علي بالبكاء وتركت لكم ما جمعت وتتركوني أحمل على ظهري ،
قال داود النبي نسيت مثل الميت (مز 31 : 12).
أخي
وعزيزي لم أكتب كي أخيفك ولكن لاظهر لك الحقيقة التي لا شك فيها مطلقاً
وهي الموت وما هو عجيب أمر الانسان ان يعتبر ما يراه من أباطيل الحياة
كحقائق ويعتقد بصحة الأمور التي يكون الشك فيها بيناً واضحاً بينما لا
يهتم بأمر الموت الذي هو حقيقة لا ريب فيها قال المرنم باطنهم ان بيوتهم
الى الأبد مساكنهم الى دور فدور ولكنهم مثل الغنم للهاوية يساقون الموت
يرعاهم (مز 49 : 11 – 14) وقال أيوب كف عني فانبلج قليلاً قبل أن أذهب ولا
أعود الى أرض ظلمة وظل الموت أرض ظلام مثل الدجى ظل الموت (أي 10 : 20 –
22) والكتاب يصرح أنه وضع للناس أن يموتوا مره (عب 9 : 27).
متى
عرفنا هذه الحقيقة اننا سنموت فلماذا نتصرف في هذه الحياة تصرف من لا يموت
؟؟ قال القديس اوغسطينوس هل تظن ان هناك قوة أو صله يمكننا ان نستخدمها
لقمع حكم الموت علينا أو نؤخره ؟ فيمكن للناس مقاومة النيران الملتهبة
وأمواج البحر المزبده والاسلحة المهلكة ولكن حيثما يأتي الموت فمن يستطيع
أن يقاومه ؟؟
أي انسان يحيا ولا يرى الموت؟ أي ينجي نفسه من يد الهاوية (مز 89 : 48).
لكن
عزيزي: يسوع المسيح الحي قد داس الموت وأعلن أن من يؤمن به لا يموت بل
ينتقل الى الحياة الابدية لأنه بقيامته قد أبطل الموت وبظهوره انار الحياة
والخلود (2 تيمو 1 : 10).