أشخاص المسرحية الاب الام الابن
المكان تدور حوادث المسرحية في منزل تقليدي
الزمان الوقت الحاضر
في المنزل :
منظر ثابت يدل على غرفة كبيرة في منزل ، وفي أحدى زواياها مكتبة ، بينما تحتوي الزاوية المقابلة على ستاند للرسم ، الغرفة مبعثرة ، توزع مجموعة من اللوحات على المسرح ، علب زيت قديمة ، كتب مبعثرة ، أوراق ممزقة .
نجد الأب جالساً وفي يديه الفرشاة والزيت وهو مستمر في الرسم ، بينما نرى الابن يتصفح في كتاب .
الابن : أراك ترسم يا أبي
الأب : نعم أنها لوحة جديدة
الابن: وفي أي موضوع تصب ؟
الأب : أنها واقعية
الابن : (بانفعال) واقعية ، ولكنك لم ترسم الواقعية قط .
الأب : هذا صحيـح ولكني بدأت أتعايش مع هذا المذهب الذي كرهته دائماً .
الابن : أني لا اصدق ما تقوله ، فمنذ كنت طفلاً وأنا أشاهد لوحاتك كلهـا ، فهي تنتمي إلى السريالية ولما أسألك عن عدم رسمك للواقعية تقول أنها غير موجودة في داخلي .
الأب : هذا صحيح ولكن بعد هذا المشوار الطويل في الرسم ، تبين لي أني كنت امزح ، وكلامي غير صحيح .
الابن : ولكنك فجأة شعرت بذلك ، ماذا تقول للناس التي تعرف انك سريالي ، وماذا أقول لأصدقائي ، أبي السريالي أصبح واقعياً ، انه كلام غير صحيح وغير منطقي ، فأنت اسم لامع في الحركة التشكيلية ولك أسلوبك الخاص الذي تُعرف به من بين مئات اللوحات ....
الأب : (مقاطعاً) كـلامك لا يعنيني ، فانا قررت ، ولا يهمني كلام الناس .
(تدخل الام فجأة)
ألام : لماذا تتشاجران ؟ هل هناك مشكلة ؟
الابن: أبي ترك تاريخه الفني وظهر بمصطلح جديد لحياته .
ألام : وما الضير من ذلك ؟
الابن : (بانفعال حاد) كيف تقولين ذلك ؟ انه تاريخ طويل ، يمتد الى ثلاثين عاماً (ينظر إلى الأب) انك نسيت (أندريه بيرتون) مؤسس السريالية ، كنت تحبه وتتولع في كتاباته النقدية ونسيت ايضاً (سلفادور دالي) الذي تعشق رسوماته اما مسرحيات ثورنتون وأيلور التي لم تـنزلها من يـديك .
الأب : يا ولدي انك لم تفهمني ، فانا عشت وتعايشت مع هذا المذهب منذ كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة ، ولكن ، علينا ان نعيش واقعنا الذي نعيشه ، كفى استخداماً لمصطلحات قد عشناها سنين طوالاً . (يستمر في الرسم)
الام : ان والدك على حق .
الابن : (ينظر اليه بسخرية) حمداً لله على صحوك المبكر .
الأب : ماذا تقصد ؟
الابن : لا شيء ، أني اقرأ فقط .
ألام : لماذا أنـت منزعج ؟ فأنك شاعر وليس برسام .
الابن : هذا صحيح ولكني اهتم بتاريخ أبي ، كما يهتم أبي بتاريخ جدي وهو يفتخر به ، يذكره أينما تتسنى له الفرصة .
الأب : وأنت لا تفتخر بأبيك ، فانا رسام مشهور ، وصل صيتي إلى دول عدة وشاركت في معارض عربية وعالمية بل حصدت عشرات الجوائز ، هذا كله وأنت الشاعر الصغير تستهزأ بي
(يوقع الزيت الذي في يده أرضاً ويخرج من المسرح ، بينما الام تريد مناداته)
الابن : أتركيه يا أمي وتعالي اقرأ لك آخر قصيدة كتبتها لحبيبتي
ثم يقرأ لها القصيدة و تقول الام :جميلة حقا. انا ذاهبة إلى السوق واذا جاء والدك لا تتشاجر معه ، فأنه ليس على ما يرام اليوم .
الابن : سوف يصحو ويرجع إلينا سالماً .
الام : ان شاء الله (تخرج من المسرح)
الابن : (مع نفسه) عليّ ان اقرأ جيداً ، فأبي يقول أني شاعر صغير ، سأكبر وأكون شاعراً متميزاً ، ويحبني الناس وخاصة النساء كما تحب الشاعر الرومانسي (نزار قباني) الذي كان محط إعجابي ومدرستي الشعرية ، فأنا لا أتحول بعد ثلاثين عاماً إلى شاعر سياسي كما تحول أبي إلى واقعي .
الأب : (يدخل فجأة) مع من كنت تتكلم ؟
الابن : كلا .. كلا .. لا يوجد شيء ، (متردداً) ولكني أقول سأظل شاعراً أحب المرأة ولا أتغير بعد ثلاثين سنة ، مهما كلف الأمر .
الأب : (مقاطعاً) وماذا تقصد ؟
الابن : هناك أناس تغيروا مع مرور الزمن ، ولكنهم سوف ينزعجون من الواقع الأليم حتى ولو كان فناً في لوحة صغيرة ، فهي مملة ، وتجعلني اشمئز من العالم هذا ، وأتمنى الهروب إلى أماكن بعيدة ، اسمع يا أبي هذا المقطع مـن قصيدتـي (آلام جارحة) ...
الأب : (مقاطعاً) كفاك ، سوف تصحو مثلي وتتندم على ما فاتك .
الابن : هذا مستحيل أيها الأب الواقعي ....
الأب : (مقاطعاً) كفاك عن هذا الحديث ، والآن قل لي أين ذهبت أمك ؟
الابن : (يتلفت) نعم قالت انها ذاهبة إلى السوق (يستمر بالكتابة)
الأب : (يجلس بجانبه) أراك تكتب ، هل هي قصيدة جديدة ؟ أم أحدى واجباتـك في الكلية .
الابن : لا يا والدي ، أني أدون ذكرياتي ، أدونها كل نهاية أسبوع .
الأب : لكن اليوم ليس نهاية أسبوع .
الابن : هذا صحيح ولكن اليوم مهم جداً عندي ، اذ جرت فيه أحداث كثيرة وشيقة .
(تدخل الام)
الأب : (يلتفت إليها) ، انكِ تأخرتِ كثيراً
(يخرج الابن من المسرح ، يبقى الأب والام)
الام : لماذا عاملته بطريقة غريبة قبل ان اذهب ؟
الأب : انه لا يفهمني دائماً ، وفي النهاية يعتذر
الام : ولكن هذه المرة انه محق ، انك تغيرت كثيراً .
الأب : ليس انا الذي تغيرت ، بل العالم هو الذي تغير ، الناس هم الذين تغيروا ، كل شيء حولي تغير ، حتى وطني الذي أحببته .. وقبلت ترابه تغير ، كيف لي ان أبقى على ما أنى فيه .
الام : وما علاقة الفن بالحياة ؟
الأب : انه جزء من الحياة ، بل هو استجابة لما نشاهده في حياتنا ، فننقله كل حسب ما يراه ، فهذا السبب الذي جعلني أتحول إلى رسام واقعي ، لأرسم ما أراه يومياً ، كما هو .
الام : عليك ان تكلم ابنك بهذا الأسلوب .
(تبدأ الام بترتيب الكتب المبعثرة ، ووضعها في مكانها المناسب)
الأب : اتركيها فسوف يرجع ويبعثرها مرة ثانية ، فهو يحب حاجياته هكذا .
الام : انه مثلك تماماً ، فأنت تبعثر لوحاتك ومستلزمات الرسم ، هنا وهناك .
(يدخل الابن)
الابن : ما الأمر يا أمي ، هل هناك مشكلة؟
الام : كلا يا ولدي ، لاشيء ، كنت أفكر بوضعنا غير الامن دائماً
الابن : أنها مشكلة أبدية ، علينا تركها جانباً ، وألا أصابنا الملل وتبدأ علامات هلاكنا .
الام : (بانفعال) انك غير واقعي ، عليك ان تصحو ، ان والدك على حق سوف اتركك لتصحوا مع نفسك ، فكر جيداً ، فكر بوضعنا وحياتنا ، فكر إلى أين وصل بنا الاستبداد والظلم ، لا تتهرب من حياتك التي تعيشها ، كما تهرب أبيك من قبلك ، والان بدأ يفكر بعد هذيان طويل (تخرج من المسرح)
الابن : (بسخرية) الكل يريد الواقع ، هههههه أنكم لا تعرفون الواقع جيداً فانه غدار ، لا صديق لديه ، تركني وذهب بدون أي اعتذار ، تركني مع مشاعري وأحاسيسي وعقلي الباطن ، (يبدأ بتمزيق الكتب وتخريب المكتبة) أين الأفكار التي قرأتها ؟ يريدونني ان أنساها ، كيف ذلك ؟ تعايشت مع من أحب على قوانين خاصة بعيدة عن الواقع ، والان تريدون مني ان أكون واقعياً ، انا لا افعل مثل فعلة ابي ، انه سوف يندم ، (يخرج قلم وورقة من جيبه ويبدأ الكتابة) أنها اخر قصيدة اكتبها في حياتي وانا سريالي (يبدأ بالكتابة)
(يعطي ظهره للجمهور ، وتنطفئ الإضاءة شيئاً بعد شيء)