عدد الرسائل : 13 العمر : 36 الموقع : http://st-christoperfamily.mam9.com/forum.htm العمل/الترفيه : طالب تاريخ التسجيل : 22/04/2008
موضوع: من الرسائل الروحية للأنبا انطونيس الثلاثاء أبريل 22, 2008 3:27 am
هذه الرسائلة الروحية للقديس أنطونيوس
الرسالة الأولى
( رسالة من أنطونيوس المتوحد ورئيس المتوحدين إلى الأخوة الساكنين فى كل مكان )
أولاً وقبل كل شئ أهدى سلامى إلى محبتكم فى الرب ! .. أرى يا إخوة أن النفوس التى تقترب من محبة الله هى ثلاثة أنواع، سواء من الرجال أو من النساء . 1ـ النوع الأول هم أولئك الذين دُعوا بناموس المحبة الذى فى طبيعتهم، تلك المحبة التى غُرست فيهم من الصلاح الأصلى عند خلقتهم الأولى ـ وعندما جاءت إليهم كلمة الله، لم يشكوا فيها مطلقًا. بل قبلوها وتبعوها بكل استعداد ونشاط، مثل ابراهيم أب الآباء. فلما رأى الله أنه لم يتعلم محبة الله عن طريق تعليم البشر وإنما تعلمها من الناموس المغروس فى طبيعة خلقته الأولى، ظهر الله له وقال " أخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى سوف أريك" (تك1:12) فخرج دون أن يشك ، بل كان مستعدًا لدعوته. إن ابراهيم هو نموذج لهذا النوع من الاقتراب إلى محبة الله ، والذى لايزال موجودًا إلى الآن فى أولئك الذين يسلكون فى خطواته . إنهم يتعبون طالبين مخافة الله بالصبر والسكون ويحصلون على الحياة الحقيقية لأن نفوسهم مستعدة لأن تتبع محبة الله . هذا هو أول نوع للدعوة .
2ـ الدعوة الثانية هى هذه : يوجد أناس يسمعون الكلمة المكتوبة وما تشهد به عن الآلام والعذابات المعدة للأشرار، والمواعيد المعدة لمن يسلكون بلياقة فى مخافة الله ، وبشهادة الشريعة المكتوبة تتيقظ نفوسهم وتطلب الدخول إلى الدعوة كما يشهد داود عندما يقول " ناموس الرب طاهر يرد النفس، شهادة الرب صادقة تعطى حكمة للبسطاء (الودعاء) (مز7:19)، وفى موضع آخر يقول " فتح كلامك يضئ عقل البسطاء " (مز130:119). وأقوال أخرى كثيرة ، لانستطيع كلها أن نذكرها الآن .
3ـ الدعوة الثالثة هى هذه: توجد نفوس كانت سابقًا قاسية القلب مستمرة فى أعمال الخطية ولكن الله الصالح فى رحمته رأى أن يرسل عليهم تأديبات الآلام والضيقات حتى يتعبوا، فيستفيقون وينتبهون ويتغيرون ويتقربون من الله ويدخلون فى معرفته، ويتوبون من كل قلوبهم، وهؤلاء أيضًا يبلغون إلى الحياة الحقيقية مثل أولئك الآخرين الذين تكلمنا عنهم سابقًا.
vهذه هى طرق الاقتراب الثلاثة التى تأتى بها النفوس إلى التوبة لكى تنال نعمة ودعوة ابن الله .
الروح القدس يسهل للنفس طريق التوبة[1] : والآن فيما يخص أولئك الذين دخلوا بكل قلوبهم وقرروا أن يحتقروا كل شدائد الجسد وبشجاعة يقاومون الحرب التى تقوم ضدهم إلى أن ينتصروا، فإنى اعتقد، أولاً أن الروح هو الذى يوجه إليهم الدعوة وهو يجعل الحرب هينة وسهلة بالنسبة لهم، ويجعل أعمال التوبة حلوة ويريهم كيف يجب أن يتوبوا بالجسد والنفس حتى يبلغ بهم إلى التحول الكامل إلى الله الذى خلقهم.. ويعطيهم أعمالاً بواسطتها يمكنهم أن يقمعوا النفس والجسد حتى يتطهرا ويدخلا معًا إلى ميراثهما (حياة الأبد).
الروح القدس يرشد الإنسان حتى يتطهر جسدًا وروحًا : أولاً، فإن الجسد يتطهر بالصوم الكثير وبالسهر وبالصلوات وبالخدمة التى تجعل الإنسان ينضبط فى جسده ويقطع من نفسه كل شهوات الجسد. ويصبح روح التوبة هو مرشده فى هذه الأمور، ويختبره بواسطتها لئلا يقتنصه العدو إليه مرة ثانية. وعندئذ يبدأ الروح الذى يرشده، أن يفتح عينى نفسه لكى يعطيها التوبة أيضًا لكيما تتطهر ويبدأ العقل أيضًا فى التمييز بين الجسد والنفس، وذلك عندما يبدأ أن يتعلم من الروح كيف يطهرهما بالتوبة. وعندما يتعلم العقل من الروح فإنه يصبح مرشدًا لكل أعمال الجسد والنفس معلمًا إيانا كيف نطهرهما. ويفصلنا عن كل الثمار اللحمية التى اختلطت بأعضاء الجسد منذ المعصية الأولى. ويعيد كل عضو من أعضاء الجسد إلى حالته الأصلية دون أن يكون فيه أى شئ من روح الشيطان. ويصبح الجسد تحت سلطان العقل المتعلم من الروح كما يقول الرسول بولس " أقمع جسدى واستعبده " (1كو27:9) لأن العقل يطهره فى أكله وفى شربه وفى نومه، وبكلمة واحدة فإنه يطهره فى كل حركاته. حتى أنه من خلال طهارة (العقل) يتحرر الجسد حتى من الحركات الطبيعية التى فيه.
حركات الجسد الثلاث : واعتقد أنه توجد ثلاثة أنواع لحركة الجسد : 1ـ توجد حركة مغروسة فى الجسد بالطبيعة غُرست فيه فى خلقته الأولى ولكنها لاتعمل (ماهوخاطئ) بدون إرادة النفس، وإنما عملها فقط هو أن تنبهنا إلى أنها حاضرة وموجودة، وذلك بواسطة حركة غير شهوانية فى الجسد. 2ـ وتوجد حركة أخرى وهى تحدث عندما يملأ الإنسان جسده بالطعام والشراب وتتسبب حرارة الدم المتولدة من كثرة الأطعمة فى إثارة الحرب فى الجسد بسبب نهمنا. ولهذا السبب يقول الرسول " لاتشربوا الخمر الكثير " (أف18:5) وأيضًا حذر الرب تلاميذه " احترزوا لئلا فى أى وقت تثقل قلوبكم بالشبع والسكر" (لو34:21) أواللذة. وخاصة أولئك الذين يطلبون ملء النقاوة عليهم أن يقولوا اخضع جسدى واستعبده" (1كو27:9).
3ـ أما الحركة الثالثة فهى من الأرواح النجسة التى تجربنا بسبب حسدها لنا وتسعى لأن تدنس هؤلاء الذين يبدأون السير فى طريق النقاوة.
والآن يا أولادى المحبوبين، إذا تسلحت النفس بالصبر، فى هذه الحركات الثلاثة، وثبتت فى الشهادة التى يشهد بها الروح داخل القلب فإن النفس والجسد كليهما يتطهران من هذا النوع من المرض. لكن إذا رفض القلب الشهادة التى يشهدها فيه الروح بخصوص هذه الحركات الثلاث فإن الأرواح الشريرة تتسلط عليه وتزرع فى الجسد كل الشهوات وتحركها وتثير حربًا عنيفة ضده حتى تخور النفس وتمرض، فإن رجعت وصرخت طالبة الحصول على المعونة فإنها تتوب، وتطيع وصايا الروح، وتشفى، عندئذ تتعلم من الروح أن تجد راحتها فى الله ، وتعرف أنه هو (الله) وحده سلامها .
هذه الأشياء قلتها لكم يا محبوبون لكى تعلموا كيف ينبغى على الإنسان أن يتوب جسدًا ونفسًا (بجسده ونفسه) ويطهرهما كليهما. فإذا ما غلب العقل فى هذا النضال ، فإنه حينئذ يصلى بالروح (القدس) ويبدأ فى أن يطرد من الجسد شهوات النفس التى تأتى إليها من إرادتها الخاصة. حينئذ يصير للروح القدس شركة وألفة مع العقل، لأن العقل يحفظ الوصايا التى سلمها إليه الروح.
الروح القدس وتقديس الحواس والأعضاء : ويُعلّم الروح العقل كيف يشفى جراحات (شهوات) النفس وكيف تتخلص منها كلها ، تلك الشهوات التى امتزجت بأعضاء الجسد ، وشهوات أخرى غريبة تمامًا عن الجسد ولكنها اختلطت بالإرادة : العينان:ويضع الروح للعينين قانونًا لكى تنظرا باستقامة ونقاوة ولكى لايوجد فيها أى خداع . الأذنان: وبعد ذلك يضع قاعدة للأذنين كيف تسمعا بسلام ولاتشتاقا أو تشتهيا سماع الكلام الردئ، ولا أن تسمع عن فضائح الناس بل يعلمهما كيف تبتهجان بالسمع عن الأشياء الصالحة، وعن الطريقة التى يثبت بها كل إنسان، وعن الرحمة المعطاة لكل الخليقة التى كانت مريضة فيما سبق. اللسان: وأيضًا فإن الروح يعلم اللسان النقاوة، وذلك لأن اللسان كان مريضًا بمرض خطر، لأن المرض الذى أصاب النفس كان يعبر عنه بواسطة اللسان الذى تستخدمه النفس كأداة لها، وبهذه الطريقة أصيب اللسان بمرض خطير وجُرح جرحًا عظيمًا، وأيضًا بواسطة هذا العضو ـ اللسان ـ بنوع خاص ، قد مرضت النفس. والرسول يعقوب يشهد (عن هذا الأمر) قائلاً " إن ظن إنسان إنه دَيّن وهو لايلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا الإنسان باطلة " (يع26:1) وفى موضع آخر يقول " اللسان هو عضو صغير ويدنس الجسد كله " (يع5:3). وكثير أيضًا غير ذلك لا أستطيع أن اقتبسه كله الآن. ولكن إذا تقوى العقل بالقوة التى ينالها من الروح فإنه أولاً يتطهر ويتقدس، ويتعلم التمييز والافراز فى الكلمات التى يسلمها إلى اللسان (لكى ينطقها)، لكى تكون هذه الكلمات بدون تحزب وبدون إرادة ذاتية أنانية، وهكذا يتم قول سليمان " كل كلمات فمى بالحق ليس فيها عوج ولا إلتواء " (أم8:، وفى موضع آخر يقول " أما لسان الحكماء فشفاء " (أم18:12) وأقوال أخرى كثيرة . حركات اليدين: وبعد ذلك يشفى الروح اليدين التى كانت تتحرك بطريقة مضطربة ـ متبعة إرادة العقل، أما الآن فإن الروح يعلم العقل كيف يطهرهما لكى يعمل ويشتغل بهما فى عمل الرحمة وفى الصلاة وبذلك تتم الكلمة التى قيلت عنهما " ليكن رفع يدى كذبيحة مسائية " (مز12:141) وفى موضع آخر " أما أيدى المجتهدين فتغنى " (أم4:10) . البطن (الأكل والشرب): وبعد ذلك يطهر الروح البطن فى أكلها وفى شربها لأنه طالما أن رغبات النفس نشيطة فيها ، فإنها لاتشبع فى نهمها إلى الطعام والشراب، وبهذه الطريقة فإن الشياطين يقومون بهجومهم على النفس. وعن هذا تكلم الروح فى داود قائلاً " مستكبر العين ومنتفخ القلب لا آكل معه " (مز5:100 س) وكل الذين يطلبون الطهارة فى هذا الأمر فإن الروح القدس يضع لهم قواعد للتطهير، وهى الأكل باعتدال بما يكفى لأجل قوة الجسد، وبدون تلذذ شهوانى، وبهذا يتم قول بولس " فإن كنتم تأكلون أوتشربون أوتفعلون شيئًا فافعلوا كل شئ لمجد الله" (1كو31:10) . الأفكار الجنسية: وأما عن الأفكار الجنسية التى تتحرك من الجزء أسفل البطن، فإن العقل يتعلم بالروح كيف يميز بين الحركات الثلاثة التى تكلمنا عنها سابقًا ويثابر فى تطهير هذه الأعضاء حسب ما يعينه الروح ويقويه، حتى أن كل الحركات تنطفئ بقوة الروح الذى يصنع سلامًا فى كل الجسد ويقطع منه كل الشهوات. وهذا ما يقوله القديس بولس " فإميتوا أعضاءكم التى على الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الرديئة ... إلخ "(1كو5:3). خطوات القدمين: وبعد كل هذا يعطى القدمين أيضًا طهارتهما. لأنهما قبلاًلم تكن خطواتهما مستقيمة بحسب إرادة الله، أما الآن فإذ قد صار العقل موحدًا تحت سلطان الروح، فإنه (العقل) يطهر القدمين لكى تسيرا حسب إرادته لتذهبا وتخدما فى الأعمال الصالحة.
النتيجة تغيير وتجلى الجسد: وبذلك يتغير الجسد كله ويتجدد ويصبح تحت سلطان الروح. وأعتقد أنه عندما يتطهر كل الجسد ويأخذ ملء الروح فإنه بذلك يكون قد نال بعض النصيب من ذلك الجسد الروحانى العتيد أن يكون فى قيامة الأبرار.
هذا قد قلته عن أمراض النفس التى اختلطت بأعضاء الطبيعة الجسدية التى فيها تتحرك النفس وتعمل ، وهكذا تصبح النفس مرشدًا للأرواح النجسة التى تأتى وتعمل فى أعضاء الجسد . ولكننى قد قلت أيضًا أن النفس لها شهوات أخرى مختلفة عن شهوات الجسد ، وهذه هى التى سنوضحها الآن .
شهوات النفس : الكبرياء، الذى هو مرض خاص بالنفس، ولاعلاقة له بالجسد، وكذلك الافتخار والحسد، والكراهية والغضب والتراخى وغيرها. ولكن إذا سلّمت النفس ذاتها لله بكل قلبها فإن الله يرحمها، ويسلّمها إلى روح التوبة الذى يشهد لها عن كل خطية، لكى لاتقترب منها مرة أخرى، ويكشف للنفس عن أولئك الذين يحاربونها ويحاولون أن يمنعوها من الانفصال عن الخطايا باذلين كل جهدهم لكى لا تثبت (النفس) فى التوبة ، ولكن إذا احتملت النفس واطاعت الروح الذى يرشدها للتوبة فإن الخالق يتحنن بسرعة على تعب توبتها وإذ يرى أتعاب الجسد: فى الصلاة الكثيرة والصوم والتضرع وتعلم كلمات الله، وفى جحد العالم وفى الاتضاع والدموع والثبات فى الانسحاق ، عند ذلك فإن الله الرحيم إذ يرى تعبها وخضوعها ، يتحنن عليها ويخلصها (يحررها).